في أجواء هادئة ومسالمة، تسمع هدير حَمَام الحرم ورفرفة جناحيه، تطير حولك أسراب من هذا الطير الرمادي ذو العنق المائل للخضرة أو الزرقة، تداعبك بلا خوف أو قلق لأنها تعلم أنها في المكان الأكثر أماناً وروحانية.
يسمونه الحَمَام المكي، أو حَمَام رب البيت، أو حَمَام الحمى.. وقد اختلفت الروايات في أصل وجوده، فمنهم من قالوا أنه من سلالة الحمامة التي أطلقها سيدنا نوح عليه السلام هو ومن معه على السفينة بعد حادثة الطوفان، فعادت إليه بغصن الزيتون دلالةً على جاهزية الأرض للرسو فيها والنزول عليها لبدء حياة جديدة. ومنهم من قال إنها من سلالة الطير الأبابيل التي رجمت أبرهة وجنوده الطاغين الذين كادوا أن يهدموا الكعبة في قصة أصحاب الفيل الشهيرة. أما الرواية الأخيرة فقد قيل أن حَمَام الحرم هو سلالة حمامتين حطتا أمام غار حراء وبَنَتا عشهما عند بابه؛ لتداريا النبي ﷺ ورفيقه أبا بكر اللذيْن اختبآ فيه خوفاً من كفار قريش أثناء رحلة الهجرة إلى المدينة المنورة.
وعلى الرغم من اختلاف الروايات إلا أن الكل قد أجمع على مكانة الحمَام المكي الرفيعة والذي يحظى بمعاملة خاصة؛ فقد وهبه الإسلام الحرية والسلام والحرمة والأمن. حتى إن أمانة مكة المكرمة قد قامت ببناء أبراج حَمَام خاصة بمنطقة الحجون تأديةً لواجب الضيافة لحَمَام الحرم المكي. حيث تطير قبيل الفجر إلى أرجاء مكة المكرمة، وتعود أدراجها بعد أن تغذت وقابلت زوار بيت الله الحرام من شتى أرجاء العالم، فما أن يطأ الحاج أرض المدينة المقدسة، حتى تستقبله أسراب الحمام التي تنتشر في كل مكان، والتي تجوب الأرصفة والساحات المحيطة بالحرم المكي، بدون أن ينتابها خوف أو وجل مهما اقترب الناس منها ليستشعروا أن هذه البقعة المباركة هي مكمن الأمان والاطمئنان حقاً.
إن كثيراً من زوار الحرم المكي الشريف يجد في الحَمَام المكي فرصةً لنيل الأجر والثواب بإطعامه كما قال رسول ﷺ: “في كل كبدٍ رطبة أجراً”. فيسارع البعض في نثر الحبوب والبذور له ليتغذى عليها في هذا المكان المقدس. ولعلك ستلاحظ فور خروجك من فندق شذا مكة أماكن تجمع أسراب الحَمَام وأنت في طريقك إلى الحرم المكي الشريف في الساحات الخارجية الواسعة، حيث ستجد الساحات على امتداد البصر يكسوها عدد كبير من حَمَام الحرم الذي حط على الأرض متتبعاً البذور التي ينثرها زوار بيت الله الحرام من حين لآخر. كما يمكنك أنت أيضاً التوقف لدقائق لتأملها وإطعامها واللعب معها حيث يمكنك الحصول على الحبوب أو البذور بعشرة ريالات للكيلو الواحد من أقرب الباعة الذين يبيعون الحبوب المخصصة. ولكن ننصحك بتخير الوقت المناسب في النهارات الغير مزدحمة متجنباً أوقات الذروة وحاملاً معك مظلةً متقياً حرارة الشمس.
